يعمل بلال جلال، استشاري فيزياء العلاج الإشعاعي للأورام في مركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي، مع زملائه المتطوعين في المنظمة الأمريكية غير الربحية "رايوس كونترا كانسر" (Rayos Contra Cancer)، على تصميم وتنفيذ دورات تدريبية مجانية عبر الإنترنت لمتخصصي فيزياء العلاج الإشعاعي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، لتزويدهم بأدوات عملية تُسهم في إنقاذ حياة المرضى وتحسين جودة الرعاية.
خلال مشاركته في إحدى الجلسات التدريبية، قدّم الفريق إلى جلال خطة علاجية لمريضٍ مصابٍ بورمٍ في الدماغ. ويقول جلال: "أذكر جيدًا أن عددًا من المشاركين أصيبوا بصدمة، وبدأ بعضهم بالبكاء، بعد أن أوضحنا لهم أنهم كانوا قد ارتكبوا خطأً. فقد كان أحد المرضى قد عانى مضاعفاتٍ خطيرة بعد خضوعه للعلاج الإشعاعي، غير أنهم لم يتمكّنوا من تحديد السبب."
ويضيف: "في جميع الأورام، يكون الهدف تركيز الجرعة داخل حجم الورم وتجنب تعرّض الأنسجة السليمة المحيطة لها. وفي أورام الدماغ تحديدًا، يلزم مراعاة وجود هامش أمان أعلى وذلك لقرب البُنى الحرجة، كالعصب البصري، ما يجعل أي جرعات غير مقصودة عُرضة للتسبّب بمضاعفات خطيرة."
ويتابع: «بيّنّا للفريق وجود تسرب جرعي إلى الأنسجة السليمة. ورغم التزامهم بالجرعة الموصوفة، فإنهم لم يأخذوا في الحسبان بما يكفي توجيه الحزمة الإشعاعية."
ويؤكد جلال أن هدف هذه البرامج التدريبية اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، قائلًا: "بعد أن قدّمنا التدريب اللازم، شهد أسلوب عملهم تحسّنًا ملحوظًا؛ إذ قدّم لنا الأطباء لاحقًا خطط جرعات إشعاعية متقنة أسهمت في إنقاذ حياة المرضى."
استضاف جلال هذه الدورة ضمن عمله التطوعي مع منظمة "Rayos Contra Cancer"، التي تهدف إلى تحسين النتائج العلاجية للسرطان بالعلاج الإشعاعي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وتقدّم المنظمة برامج تدريبية مجانية عبر الإنترنت للأطباء الذين تتوافر لديهم أجهزة العلاج الإشعاعي لكنّهم يفتقرون إلى الخبرة التطبيقية المتخصصة.
ويقول جلال: "نوفّر تدريبًا إكلينيكيًا تطبيقيًا على أيدي خبراء ذوي خبرة واسعة، يُقدَّم للممارسين حول العالم. جلساتنا مباشرة وتفاعلية، وتضم اختبارات قصيرة وتمارين عملية كـتخطيط الجرعات الإشعاعية. كما أننا نراقب شاشات المتدرّبين خطوة بخطوة للتحقّق من التطبيق السليم. فهدفنا هو تمكين الممارسين وتعزيز كفاءاتهم."
يعمل جلال في فيزياء العلاج الإشعاعي للأورام منذ أكثر من عشرين عامًا. ويحمل اعتمادَ المجلس الأمريكي للطب الإشعاعي (ABR) واعتمادَ معهد الفيزياء والهندسة في الطب في المملكة المتحدة (IPEM)، ويعمل خبيرَ تقييم لدى المجلس الدولي للفيزياء الطبية (IBMP). كذلك يشغل منصبَ الرئيس المُشارك للجنة التدريب الافتراضي في منظمة "Rayos Contra Cancer"، وهو أيضًا عضوٌ في هيئتها التعليمية.
يركّز أحد محاور عمل منظمة "Rayos Contra Cancer" على تحسين الوصول إلى التدريب على تقنيات تعديل الشدّة، بما في ذلك (IMRT) و(VMAT)، اللتين تتيحان تشكيل الحقل الإشعاعي وتعديل شدّته ديناميكيًا أو خطيًا أو قوسيًا، مما يخفض الوصول غير المقصود للجرعات إلى الأنسجة السليمة ويقلّل مضاعفاتها.
كما تدير المنظمة برنامجًا مجانيًا بعنوان "تدريب المتخصصين في فيزياء العلاج الإشعاعي على تقنيات IMRT وVMAT"، يمتدّ على مدى خمسة عشر أسبوعًا، ويشتمل على جلسات مباشرة أسبوعية (ساعة واحدة) عبر الإنترنت، يقدّمها خبراء متطوّعون. انطلق البرنامج عام 2022 لسد فجوة المهارات في تقنيات تعديل الشدّة، شاملةً العلاج الإشعاعي معدّل الشدّة (IMRT) والعلاج الإشعاعي القوسي معدّل الحجم (VMAT)، لدى الأطباء في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ويغطي محاور: تخطيط العلاج، حساب الجرعات، ضمان الجودة والمحاكاة والتحكم في الحركة والوقاية من الإشعاع.
كان البرنامج محورَ بحثين أكاديميين أعدّهما بلال جلال مع زملائه في «رايوس»؛ نُشر أحدهما في "Radiotherapy and Oncology" والآخر في "IJROBP". وأظهرا أثر البرنامج في رفع المعرفة والثقة لدى أكثر من 500 من اختصاصيي فيزياء العلاج الإشعاعي وأخصائيي القياس الجرعي والمقيمين في الفيزياء الطبية، ومعظمهم من إفريقيا. وخلصا إلى أنّ البرنامج "عزّز بدرجة كبيرة المعرفة والثقة ومهارات تخطيط العلاج"، مؤكدين أن تدريبًا منخفض التكلفة قابلًا للتوسّع تمكن من دعم تحسين اعتماد تقنيات IMRT وVMAT في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
وفي هذا السياق يقول جلال: "نواصل جهودنا لأننا نرى أثرًا واضحًا في رفع كفاءة الأطباء المتدرّبين، بما ينعكس مباشرةً على نتائج مرضاهم". ويختم: "لا تكفي التقنيات وحدها؛ فالأهم هو إنقاذ الأرواح، والمعرفة هي أقوى دواء."